قراءة ممتعة
يعتبر مفهوم "المالانهاية" أحد أعقد المفاهيم وأكثرها غموضا على الإطلاق وخاصة في عالم الرياضيات أكثر من باقي المجالات كالفيزياء مثلا، حيث علق أرسطو عن المالانهاية قائلا أن : اللانهاية لها وجود كامن وليس لها وجود حقيقي وأنها وحيدة، حتى جاء العالم الألماني "جورج كانتور" وقلب المفاهيم رأسا على عقب.
دعنا أيها القارئ نطرح بعض الأسئلة من الأكبر 9 أم 8 ؟ بطبيعة الحال ستكون الإجابة العدد 9، ولكن إذا طرحنا السؤال التالي من الأكبر، مجموعة الأعداد الطبيعية أم مجموعة الاعداد الطبيعية الزوجية، فإذا كانت إجابتك الاعداد الطبيعية بحجة ان الأخرى متضمنة فيها فللاسف انت مخطئ، لماذا ؟ مثلا لو وضعنا التطبيق التالي المعرف من المجموعة الاولى الى المجموعة الثانية ب:
f(x) = 2x , x€N
فسنلاحظ أن هناك تقابل عنصر بعنصر أي هناك رابط بين المجموعتين سنلاحظ أن كل عنصر من المجموعة الاولى يمكن ربطه بالمجموعة الثانية وبالتالي فكلتا المجموعتين لهما نفس الحجم تماما.
هنا جاء العالم جورج كانتور ببرهانه الشهير المسمى ب "الشطب القطري" الذي أثبت بشكل قاطع أن لانهاية "الأعداد الحقيقية" أكبر من لانهاية "الاعداد الطبيعية" اي انه أثبت أن هناك مستويات مختلفة من اللانهاية، أليس هذا الأمر غريب وضرب من الجنون ؟ !! وهل يصدق عاقل وجود مالانهاية أكبر من الأخرى!!!، نعم وبشكل مفاجئ أصبح هذا حقيقيا وأصبحت تسمى هذه الأعداد اللانهائية ب "الاعداد العابرة للنهاية"، بل أكثر من ذلك أثبت جورج كانتور أنه يوجد عدد لانهائي من الاعداد العابرة للنهاية وان هذه الاعداد يمكن ترتيبها، اي ان كانتور لم يبرهن فقط على ان اللانهاية حقيقية وانها ليست كامنة كما إدعى ذلك الكثير من العلماء قبله لكنه برهن أيضا بأن هناك عدد غير منته من اللانهائيات، يا للغرابة ! !! نعم إنه حقا شيء لا يعقل وخارج عن نطاق المعهود ويتعدى منطقنا العادي، فكان هذا الإكتشاف أكبر أزمة
يقين عرفتها الرياضيات الحديثة.
يعد عمل جورج كانتور في القرن العشرين حول مفهوم المالانهاية .وبدون مبالغة أو مزايدة، أحد أعظم الأعمال والإكتشافات العلمية في تاريخ الفكر البشري
وكانت أعماله رهيبة وثورية جداا حيث قلب جميع المفاهيم الرائجة منذ القدم حول مفهوم "المالانهاية"، وفي بداية الأمر لم يفهمه اي احد وقد تعرض لإنتقادات حادة من طرف الرياضياتيين "ليوبلد كرونكر" و"هنري بوانكاريه" وبعد ذلك "هيرمان ويل وبروير" واما "لوديغ ويتغينستين" كان من اكثر المنتقدين شراسة وهذه الانتقادات ادت بكانتور إلى مصحة الأمراض العقلية وكانت سببا في تدهور وضع صحته النفسية، حتى نفهم جميعا ان الافكار العظيمة دائما ماتصاحبها معاناة عظيمة وطويلة لاصحابها.
لقد كان موقف ديفيد هلبرت من اعمال كانتور إيجابيا، حيث كان من القلائل في زمانه من فهم كانتور بالرغم من أن افكار هلبرت كانت مخالفة تماما لافكار لكانتور حول مفهوم المالانهاية لكنه سرعان ما تدارك الأمر واستوعب الافكار الجديدة المبدعة لكانتور، وعندما رأى هلبرت تلك الهجمات الشرسة التي طالت كانتور وأثرت عليه سلبا، صرح ديفيد هلبرت مقولته الشهيرة دعما لهذا العمل العضيم لجورج كانتور قائلا : "لايجب لأحد أن يبعدنا عن الجنة التي صنعها لنا كانتور".
والعبرة هنا هي انه مهما كانت افكار الغير مختلفة تماما عن افكارنا فلربما تبين لنا لاحقا انها كانت افكارا مستجدة واننا كنا نحن المخطئين في تصورنا وبالتالي الحذر من اقحام الذاتية عند التعاطي مع الأفكار المخالفة لرأينا.
وحقا قصة كانتور مع المالانهاية من أجمل القصص التي قرأتها في الرياضيات.
بضعة أسطر لا تكفي لذكر مفهوم بالغ التعقيد كالمالانهاية ويمكن لمش والشعور بمدى هذا التعقيد من خلال بعض الأمثلة حيث توجد المالانهاية سنحاول ذكر بعضها من خلال مقالات قادمة بحول الله، كما تهمنا تعليقاتكم وتفاعلاتكم حول الموضوع فلا تبخلو بها علينا.
Comments
Post a Comment